النورس المهاجر، القلم المسافر (محمد البيضاني)

إبن مدينة عدن الذي تغرّب في أصقاع الأرض، حمل ذكريات الزمن الجميل لمدينة عدن بين ضلوعه، رأت عيناه أجمل مدن العالم ، لكن عدن ظلت في عينيه أجمل مدن العالم .. اختزن الرجل في ذاكرته أحلى ذكريات عمره و عمر المدينة التي يعشقها حد الجنون، غادرها شاباً هرباً من غدر الذين حكموا عدن بعد رحيل الإنكليز، و تنقل في معظم مدن العالم بحثاً عن الأمان و لقمة العيش الشريفة مجبراً على ترك محبوبته عدن التي لم تفارق قلبه لحظة واحدة!
عندما تتحدث " الحجة فطوم " مع محمد البيضاني، يستدرجك الإثنان إلى اللحظة التي توقف فيها جمال الزمن في عدن؛ تلك البساطة و المحبة بين الناس، التكافل الإنساني، رجولة الرجال، دلال النساء المتبخترات تفوح من (شيادرهن) روائح البخور و العطر و المشموم و الكادي، رخاء المواطنين، ألعاب الأطفال و صخبهم في حواري عدن وقت العصر مختلطاً برائحة (البوري) العدني و البخور العدني و (العواف) العدني!
قلم "البيضاني" يتراءى كفيلم أبيض و أسود من الأفلام المصرية العظيمة في حقبة الخمسينات و الستينات، يستجمع الرجل حواسه الخمس و هو يكتب عن ذلك الزمان البديع، و سرعان ما تتغلغل كلماته كل حواس القارئ فيصير جزءاً من الحكاية، و لكنه لا يكتفي بحكاياته عن مدينة و أهل عدن بل يأخذك على جناح قلمه ليحدثك عن كل شيء له علاقة بالإحساس، و عن مشاهداته الثرية حول العالم!
اليوم استقرت عصا ترحال "البيضاني" المنهكة في مدينة القاهرة التي لا شك ارتبطت مع عدن في الكثير من أوجه الشبه، و أزعم إن الرجل وجد فيها الكثير من ملامح حبيبته عدن حيث راح يجلس على أحد مقاهي شارع "سليمان جوهر" ليراقب حركة الشارع الذي يموج بمختلف أشكال البشر، لعله في تلك اللحظات يسرح بخياله بعيداً الذي تركه ذات يوم، ذات رحيل، في مدينته الجميلة!
إقرأوا للبيضاني و الحجة فطوم لتعرفوا لماذا نبكي على ذلك الزمن الجميل لمدينة عدن، و في كل كلمة ستجدون حباً و وفاءاً عظيمين لهذه المدينة الخالدة التي أنجبت كوكبة من العباقرة من الفنانين و الشعراء و الكتاب و الرجال العظام المجهولين .. عدن التي كانت و ستظل حاضرة كل المدن في قلب البيضاني و الحجة فطوم و قلوبنا جميعاً..!
كتب\عدنان جمّن
المزيد ...
المزيد ...
المزيد ...
المزيد ...