ثقافة عابرة للمجرات
لقياس مستوى تقدم حضارة ما، يهتم مقياس كارداشيف بكمية الطاقة التي يمكن لهذه الحضارة أن تسخّرها. من الواضح أن كمية الطاقة المتوفرة لحضارة ما، ترتبط بمدى انتشار هذه الحضارة (فليس بمقدورك أن تسخّر طاقة النجوم، إن كنت مقيداً بكوكبك الأم، ولا يمكنك بالتأكيد تسخير قوة المجرات، إن لم يكن بمقدورك الخروج من نظامك الشمسي).
باختصار، وفقاً لمقياس كارداشيف، يكون لدينا المعادلة التالية: مسافرون بين النجوم = مجتمع متقدم.
في مقالة سابقة، قدمنا لمحة عامة عنأنماط الحضارات المختلفة: حضارات تستغل طاقة الكواكب جزئياً، وحضارات تستغل طاقة المجرات، وحضارات تستغل طاقة تتجاوز طاقة كونها المستضيف، ...إلخ. وكنا قد ناقشنا سابقاً الحضارة التيتستغل طاقة كوكبها الأم (الأرض مثلاً)جزئياً، والحضارة التي تستغل طاقةكوكبها الأم كاملة، والحضارة التيتستغل طاقة نجمها كاملة، والحضارةالتي تستغل طاقة مجرتها كاملة. أما اليوم فنود الحديث عن تصورنا لشكل الحياة كحضارة من المستوى الخامس، أي كحضارة يمكنها تسخير طاقة الكون كاملة (وأكثر).
يكمن الإفصاح الكامل عن حقيقة الأمر فيما يلي: يعتقد كارداشيف أن الحضارة من المستوى الرابع تكون في غاية التقدم، حيث يستحيل على أي نوع من الأحياء أن يصل إلى هذا المستوى من التقدم، ولذلك هو لم يذهب أبعد من المستوى الثالث وفق مقياسه. فهل انتهى كل شيء بالنسبة لنا مع هذا المقياس الذي يسمى كارداشيف؟
يبدو أنه ليس تماماً
يقترح مهندس الفضاء روبرت زوبرين إمكانية وجود ما هو أبعد من مقياس كارداشيف التمهيدي. اقترح زوبرينمقاييس أخرى غير استخدام الطاقة الصرفة، والتي قد تساعد النوع البشري في التفوق على ما يمكن لحضارة من المستوى الثالث أن تحققه. وأحد التصنيفات التي اقترحها هو ببساطة "السيطرة" على الكوكب، أو النظام، او المجرة، أو مجموعة من المجرات، ...إلخ. وبالمثل اقترح كارل ساجان إضافة بعد آخر إلى جانب استخدام الطاقة الصرفة: كمية المعلومات المتاحة للحضارة. كما قام ميتشو كاكو في كتابه "العوالمالمتوازية"، بمناقشة الحضارة من المستوى الرابع التي يمكنها أن تسخر موارد الطاقة "التي تتجاوز حدود مجرتها"، كالطاقة المظلمة.
لا يحتاج المستويان الأول والثاني إلى الشرح نوعاً ما، ولكن دعونا نتعمق قليلاً ما الذي قد يعنيه حقيقةً تسخير طاقة الكون كما يقترح كاكو.
قوانين فيزيائية غير معروفة
كما ذكرنا سابقاً، فإن المستوى الرابع من الحضارات قادر على تسخير طاقة الكون بأكملها، وهذا يعني أن تكون مجتمعات المستوى الرابع قادرة على تنفيذ مشاريع لها نتائج خارقة، تفوق حدود القدرات البشرية، كتغيير بنية الزمكان نفسه، أو إبطاء درجة الفوضى (إنتروبية) بشكل مدروس. وبما أن هذه المجتمعات المتقدمة ستكون قادرة على التلاعب بنسيج الزمكان، سوف تتمكن عندها من اجتياز التمدد المتسارع للمكان، للوصول إلى الجانب الآخر من الكون بسرعات تفوق سرعة الضوء (وهو أمر ليس بوسع نوع مثلنا إلا أن يحلم به، حيث يتطلب سفرنا إلى نجم قريب من مجرتنا فقط آلاف السنوات).
يمكن لمثل هؤلاء الناس عندها أن ينتشروا على امتداد الكون بأكمله. حيث يمكن لهم أن يكونوا قد استعمروا عدداً كبيراً من الأنظمة النجمية، ومجرات بأكملها. إن مجتمعاً كهذا، قادر على استخدام الكواكب ككتل للبناء، ونقلها عبر الفضاء لتكوين نظم نجمية من النوع الذي يريده بالضبط، لكي يعيش في ضيافته، ودمجها معاً لتكوين الأنواع التي يريدها بالضبط من الكواكب التي يرغب بالعيش على سطحها. سيتمكنون من تسخير الطاقة الصادرة عن النجوم بأكملها، وحتى توليدها.
يبدو ذلك أمراً مستحيلاً بالنسبة لحضارة مثل حضارتنا، بما أن هذا الصنف من الحضارة المتقدمة، بحاجة لكي تنتقل نحو مصادر للطاقة غير معروفة بالنسبة لنا، وللقيام بذلك، سيتحتم عليهم ربما استخدام قوانين غريبة (وغير معروفة حالياً) في الفيزياء.
مع الأسف، نظراً للقيود الجوهرية التي تميز واقعنا الفيزيائي، نتيجة طبيعة تكويننا كبشر، قد تكون مثل هذه الإنجازات بعيدة كل البعد عن متناولنا. قد يكون تحقيق هذا المستوى من التقدم ممكناً، بالنسبة لمخلوقات غير مادية، كأعضاء فيلم كيو كونتينيوم من سلسلة أفلام ستار تريك.
ولكن من يدري، يوماً ما قد نكتشف كيف يمكننا استخدام تكنولوجيات معرفية، لكي نتطور إلى كائنات متقدمة كهذه، أو قد تكشف لنا قوانين فيزيائية جديدة عن نفسها، وسنتمكن ربما عندها من السيطرة على طاقة مليار تريليون من الشموس.
أو ربما ستقوم قوانين الفيزياء الثابتة بمنع حدوث ذلك إلى الأبد.