دراسة: "إخفاقات عالمية هائلة" أدّت إلى ملايين الوفيات جراء كوفيد
قالت دراسة جديدة نشرتها دورية "لانسيت" الطبية البريطانية، الخميس، إن إخفاقات عالمية واسعة النطاق على مستويات متعددة، أدّت إلى حدوث ملايين الوفيات جراء وباء كورونا.
وقالت الدراسة إن تلك الإخفاقات "كان يُمكن الوقاية منها"، وإنها تسببت "في عكس التقدم المُحرز نحو أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة".
وكلّفت "لانسيت" لجنة ضخمة من خبرائها بتجميع الأدّلة من العامين الأولين عن الوباء، مع التحليلات الوبائية والمالية الجديدة لتوضيح التوصيات التي ستساعد في التعجيل بإنهاء حالة الطوارئ الوبائية المستمرة لكورونا، وتقليل تأثير التهديدات الصحية في المستقبل، وتحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.
وشارك في التقرير الذي استغرق إعداده عامين، 28 خبيراً رائداً في السياسة العامة، والحوكمة الدولية، وعلم الأوبئة، وعلم اللقاحات، والاقتصاد، والتمويل الدولي، والاستدامة، والصحة العقلية، إضافة إلى إجراء مشاورات مع أكثر من 100 مساهم آخر.
وحذّر تقرير الدورية الطبية من أن تحقيق هذه الأهداف لتقليل التهديدات الصحية المستقبلية يتوقف على تعزيز العمل الجماعي الدولي، والذي يجب أن يتمحور حول قرارات وتوصيات منظمة الصحة العالمية، فضلاً على ضخ الاستثمارات والتخطيط الدقيق للتأهب للأوبئة على المستوى الوطني مع تعزيز النظام الصحي، وإيلاء اهتمام خاص للسكان الذين يعانون من الضعف.
وقالت الدراسة إن الاستثمارات الحاسمة تشمل أيضاً تحسين التكنولوجيا ونقل المعرفة الصحية وتحسين التمويل الصحي الدولي للبلدان والمناطق محدودة الموارد.
فشل عالمي
وأظهرت الاستجابة لأزمة وباء كورونا العديد من جوانب التعاون الدولي في أفضل حالاتها منذ الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير لقاحات متعددة في وقت قياسي، والإجراءات التي تتخذها البلدان ذات الدخل المرتفع لتقديم الدعم المالي للأسر والشركات، والتمويل الطارئ من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
لكن أحداث العامين الماضيين كشفت أيضاً عن إخفاقات متعددة للتعاون العالمي. إذ تزامنت التأخيرات المكلفة من قبل منظمة الصحة العالمية للإعلان عن "حالة طوارئ صحية عامة ذات أهمية دولية" والاعتراف بانتقال فيروس كورونا مع فشل الحكومات الوطنية في التعاون والتنسيق بشأن بروتوكولات السفر، واستراتيجيات الاختبار، وسلاسل إمداد السلع وتقارير البيانات، وغيرها من السياسات الدولية الحيوية لقمع الوباء.
وجاء الافتقار إلى التعاون بين الحكومات لتمويل وتوزيع السلع الصحية الرئيسية بتكاليف باهظة، بما في ذلك التعاون في مجال اللقاحات، ومعدّات الحماية الشخصية، والموارد لتطوير اللقاحات وإنتاجها في البلدان منخفضة الدخل.
تصنيفات خاطئة
وأوضحت الدراسة أن تصنيفات ما قبل كورونا لاستعداد البلدان للأوبئة، مثل مؤشر الأمن الصحي العالمي لعام 2019 الذي يصنف أميركا ودولاً أوروبية من بين أقوى الدول في ما يتعلق بقدرات الاستجابة الوبائية، كانت مؤشرات ضعيفة قياساً بالقدرات الفعلية على مواجهة الوباء.
ووجدت لجنة "لانسيت" أن منطقة غرب المحيط الهادئ، بما في ذلك شرق آسيا وأوقيانوسيا، مدعومة بالخبرة السابقة في مواجهة وباء سارس عام 2002، تبنت استراتيجيات مكافحة ناجحة نسبياً أدّت إلى وفيات تراكمية تبلغ نحو 300 شخص لكل مليون، وهو أقل بكثير مما هو عليه في أجزاء أخرى من العالم.
كما أدّت أنظمة الصحة العامة المفككة ورداءة السياسة العامة لاستجابة كورونا في أوروبا والأميركيتين إلى وفيات تراكمية نحو 4000 حالة وفاة لكل مليون، وهو أعلى معدل في جميع مناطق منظمة الصحة العالمية.
أزمة اللقاحات
ووفقاً لتقرير دورية "لانسيت"، منذ إعلان بدء التطعيم بأول لقاحات كورونا، لم تتحقق المساواة العالمية في توزيع اللقاح.
ففي البلدان مرتفعة الدخل، جرى تطعيم 3 من كل 4 أشخاص بشكل كامل، ولكن في البلدان منخفضة الدخل، فبلغت النسبة شخصاً واحداً فقط من كل 7 جرى تطعيمهم بشكل كامل.
وذكرت الدراسة أن البلدان معرضة بشكل متزايد لتفشي كورونا والأوبئة المستقبلية إذا لم تُشارك الشركات براءات اختراع اللقاحات والتكنولوجيا مع مصنعي اللقاحات في البلدان الأقل ثراءً، وإذ لم تقم الدول بتعزيز المبادرات متعددة الأطراف التي تهدف إلى تعزيز المساواة في اللقاحات العالمية.
وينتقد التقرير أيضاً الاستجابات الوطنية لكورونا، والتي غالباً ما تتميز بنصائح غير متسقة في مجال الصحة العامة وضعف تنفيذ تدابير الصحة العامة والاجتماعية، مثل ارتداء أقنعة الوجه والتطعيم.
ولفت إلى أن السياسات العامة لم تتصدَّ بشكل صحيح للآثار غير العادلة للوباء على المجتمعات الضعيفة، بما في ذلك النساء والأطفال والعمال في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
وتفاقمت أوجه عدم المساواة هذه بسبب حملات التضليل المكثفة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتدّني الثقة الاجتماعية، والفشل في الاعتماد على العلوم السلوكية والاجتماعية لتشجيع تغيير السلوك ومواجهة المعارضة العامة الكبيرة لتدابير الصحة العامة الروتينية التي شوهدت في العديد من البلدان.
وذكرت الدراسة أن خطط التأهب الوطنية للجائحة يجب أن تركز على حماية الفئات الضعيفة، بما في ذلك النساء وكبار السن والأطفال والمجتمعات المحرومة واللاجئين والشعوب الأصلية وذوي الاحتياجات والأشخاص الذين يعانون من حالات مرضية.
أنظمة الحماية الاجتماعية
ووفقاً للدراسة، أدّى فقدان الوظائف وإغلاق المدارس بسبب الوباء إلى تدمير التقدم المحرز في المساواة بين الجنسين والتعليم والتغذية.
وطلبت لجنة "لانسيت" من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات الدولية بناء أنظمة الحماية الاجتماعية وضمان التغطية الصحية الشاملة.
كما أدّى تعميق التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، إلى جانب الانتكاسات الاقتصادية والصحية العامة وتزايد التوترات الاجتماعية والسياسية، إلى تعريض خطة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 للخطر.
وللسيطرة على الوباء، تقترح اللجنة أن تتبنى جميع البلدان استراتيجية تجمع بين التطعيم على نطاق واسع واحتياطات الصحة العامة والتدابير المالية المناسبة.
وذكر الباحثون أن الاستراتيجية العالمية للقاح، إضافة إلى التغطية العالية لعمليات التحصين وتدابير الصحة العامة الفعالة، يُمكن أن تؤدي إلى إبطاء ظهور متغيرات جديدة وتقليل مخاطر حدوث موجات جديدة من العدوى مع السماح للجميع، بما في ذلك أولئك المعرضون للخطر بشكل أكبر، بممارسة حياتهم بحرية أكبر.
توصيات لجنة "لانسيت"
واستعداداً للتهديدات الصحية الوبائية مستقبلاً، أوصت لجنة "لانسيت" بتعزيز النظم الصحية الوطنية واعتماد خطط التأهب للأوبئة الوطنية، مع إجراءات لتحسين المراقبة المنسقة والرصد للمتغيرات الجديدة، وحماية المجموعات التي تعاني من الضعف، وخلق بيئة مدرسية وأماكن عمل أكثر أماناً من خلال الاستثمار في رفع كفاءة أنظمة التهوية والترشيح.
ولتحسين قدرة العالم على الاستجابة للأوبئة، تدعو اللجنة إلى تعزيز تمويل منظمة الصحة العالمية من أجل دعم صنع القرار بشكل أفضل، لا سيما بشأن الأمور العاجلة والمثيرة للجدل القضايا. وتؤيد اللجنة الدعوات من اللجان الأخرى لاتفاق عالمي جديد بشأن الجائحة وتحديث اللوائح الصحية الدولية.
يقول رئيس اللجنة البروفيسور جيفري ساكس في بيان صحافي لـ"لانسيت"، حصلت "الشرق" على نسخة منه، إن الخسائر البشرية المذهلة في العامين الأولين من جائحة كورونا هي مأساة عميقة وفشل مجتمعي هائل على مستويات متعددة.
ودعا خلال البيان إلى مواجهة الحقائق الصعبة خاصة بعد أن فشلت العديد من الحكومات في الالتزام بالمعايير الأساسية للعقلانية المؤسسية والشفافية، واحتج الكثير من الناس على احتياطات الصحة العامة الأساسية، والتي غالباً ما تتأثر بالمعلومات المضللة، والعديد من الدول فشل في تعزيز التعاون العالمي للسيطرة على الوباء.
وأشار "ساكس" إلى أنه حان الوقت لاتخاذ إجراءات جماعية تعزز الصحة العامة والتنمية المستدامة لوضع حد للوباء، ومعالجة التفاوتات الصحية العالمية، وحماية العالم من الأوبئة المستقبلية.
كما أوصت لجنة "لانسيت" بزيادة الاستثمار في دعم النظم الصحية بالبلدان النامية، مع التركيز على الرعاية الأولية، وتحقيق التغطية الصحية الشاملة، والسيطرة على المرض بشكل عام.
وكانت منظمة الصحة العالمية قالت إنه سيلزم نحو 60 مليار دولار أميركي سنوياً، أي ما يعادل 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان ذات الدخل المرتفع، لدعم خطط وضع حد للجائحة.
ويجب أن يتماشى توحيد وتوسيع العديد من الصناديق الصحية الحالية بشكل وثيق مع عمل منظمة الصحة، وتؤكد "اللجنة" على أنه يجب تنفيذ تعزيز النظام الصحي على المستوى المحلي، بما يعكس الاحتياجات والأولويات الإقليمية، وليس من أعلى إلى أسفل من خلال عدد قليل من البلدان المانحة.
وإلى جانب هذا الالتزام بالتمويل طويل الأجل، توصي منظمة الصحة بجهود تستمر لمدة 10 سنوات من قبل دول مجموعة الـ20 لتعزيز البحث والتطوير والاستثمارات في البنية التحتية والقدرة التصنيعية لجميع أدوات مكافحة الجائحة الحاسمة، بما في ذلك الاختبار والتشخيص واللقاحات والعلاجات ومعدات الوقاية الشخصية، جنباً إلى جنب مع دعم وتدريب العاملين الصحيين في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
وتقول الدراسة إن هذه الاستثمارات وإعادة هيكلة الجهود الصحية العالمية متعددة الأطراف ضرورية لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
وفي عام 2019، قال صندوق النقد الدولي إن البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تواجه فجوة تمويلية تتراوح بين 300 و500 مليار دولار سنوياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وقد ازدادت هذه الفجوة نتيجة لوباء كورونا.
المزيد ...
المزيد ...
المزيد ...
المزيد ...