صرخة في وجه القدر "أيمن راوح".. طفل يمني ترك مقاعد الدراسة لإعالة أسرته التي أنهكها الفقر
أيمن محمد راوح ذو الأربعة عشر ربيعا، طفل من سكان مدينة تعز الحالمة، هذه المدينة التي تكالبت عليها ظروف الحياة الصعبة القاسية ، بسب الحرب التي فرضت عليها من قبل مليشيات الحوثي الإرهابية التي لم تألو جهدا في تدميرها، والقضاء على مقدراتها وحياة أهلها حتى جاءت جائحة كورونا التي زادت الطين بلة في المحافظة، التي وقع أبنائها كبارا وصغارا نساء وأطفالا فريسة لهذه الجائحة.
ظروف الحياة الصعبة القاسية ومرض والده، وتوقف مصدر دخله الوحيد الذي كان يعتمد عليه جراء جائحة كورونا، دفعت بالطفل أيمن، الى ترك المدرسة التي أحبها كثيرا ليتجه نحو مدينة عدن جنوبي اليمن للبحث عن عمل يمكنه من اعالة أسرة مكونة من ستة من الأخوة والأخوات ووالديه.
خلصت دراسة حديثة عن وضعية الطفل اليمني في سوق العمالة إلى أن العادات الاجتماعية تدفع بالأطفال إلى العمل في الحقول الزراعية الخاصة بالأسرة ومن ثم تزجهم في سوق العمالة، ليتحملون فجأة مسؤولية الأسرة وهم ما بين 12-14 سنة والغالبية العظمى منهم هم من الذكور كما أن الغالبية من أفراد العينة هم أطفال هاجروا من الريف إلى المدن.
وكشفت الدراسة أن 50 في المائة من هؤلاء الأطفال هم من المتسربين عن التعليم في المدارس يقومون بحمل مواد غذائية للمستهلك المتجول داخل الأسواق المحلية بواسطة العربات المكشوفة كأسهل حرفة يقومون بها وتحتاج فقط لجهد عضلي ولا يعمل من هذه النسبة إلا القليل منهم، في حين أن هناك 10 في المائة يقومون بأعمال نجارة و15 في المائة يقومون بأعمال خطرة منها في ورش الحديد والسمكرة وطلاء الجدران وأعمال البناء والتشييد وغيرها من الأعمال التي تسفر عن إصابات الأطفال ببعض العاهات بينما 25 في المائة من عمالة الأطفال في السوق تنتشر في مجال حمل الاثقال وهذه الأعمال خطرة جدا إذ إنها قد تصيب الطفل بكسور ورضوض نتيجة لتحملهم كميات فوق طاقتهم منها حمل أكياس الإسمنت والدقيق والحبوب.
تقارير عديدة أكدت أن عمالة الأطفال في اليمن ازدادت سواء في السنوات الأخيرة بسبب الحرب المستمرة وجائحة كورونا التي تسببت بأغلاق سوق العمل ابتداء من نهاية العام 2020 م وأن سببها الرئيس يعود الى ثلاثة عوامل رئيسة أهمها الفقر وتوقف التعليم بسبب الجائحة مما ترك أوقات فراغ طويلة المدى لمثل هؤلاء الأطفال ممن زج بهم في سوق العمل إضافة الى قلة الوعي لدى المجتمع.
تترك عمالة الأطفال الكثير من الجوانب النفسية السلبية على حياة الطفل العامل فهو ذلك الطفل الذي أرغمته ظروف الحياة الصعبة القاسية على ترك مدرسته، وترك أسرته للذهاب للعمل في إطار موقعه الجغرافي او الهجرة من منطقة الى أخرى سعيا وراء لقمة العيش
باحثون في مجال علم النفس شددوا في أبحاث عديدة على ضرورة عمل ورشات دعم نفسي للأطفال الذين اجبرتهم ظروف الحياة على الانخراط في العمل وهذا الدعم النفسي على شكل جلسات لكل طفل على حسب الضرر النفسي الذي يتعرض له في العمل فهناك من يحتاج الى تسع جلسات دعم نفسي ومنهم من يحتاج الى 14 جلسة دعم نفسي ويندرج من ضمنها الأطفال المتضررين نفسانيا بشكل كبير وهو بحاجة الى هذه الجلسات لبقائهم واستمراريتهم في الحياة
يتحدث أيمن بمرارة عن ألمه الشديد لتركه دراسته وهجرته لمدينته التي نشاء وترعرع بها وأحبها كثيرا أضف الى ذلك الم فراق اسرته
• أأصرخ في وجه القدر هكذا رد أيمن على سؤالي له عن سبب تركه مقعد الدراسة؟
هذا هو قدري وأنا راض به.
وبعينين دامعتين يجيب أيمن باستعادة لمواصلة التعليم إذا ما تيحت له الفرصة لإكمال دراسته.
مديرة وحده مكافحة عمل الأطفال في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الأستاذة منى علي سالم البان تحدث مطولاً عن عمالة الأطفال وأشارت ان القانون المعمول به في البلاد يسمح بعمل الأطفال منذ سن الرابعة عشر ولكن في ظل رقابة على نوعية العمل.
وعن المبادئ والأسس المحددة لعمل الأطفال أوضحت البان أن المادة الرابعة من لائحة تحديد الأعمال المحظورة والأعمال المسموح بها للأطفال دون سن18 سنة تنص على انه لا يجوز أن يقل الحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل الذي يخلو من أي مخاطر، أدنى من سن انهاء الدراسة الإلزامية ولا يجوز بأي حال ان يقل عن 14 سنة.
بينما أقرت المادة السادسة من القانون على ان هناك عدد من المحظورات في عمل الأطفال ويعتبر من أسوأ أشكال عمل الأطفال التي يجب القضاء عليها ويأتي في مقدمة هذه المحظورات استخدام الطفل وتشغيله لأغراض الدعارة أو أنتاج أعمال إباحية أو أداء عروض إباحية بالإضافة الى منع العمل الجبري والقسري مثل الدفع بالأطفال في الصراعات المسلحة والنزعات القبلية كما يمنع استخدام الطفل وتشغيله أو عرضه لمزاولة أنشطة غير مشروعة ولاسيما ترويج وبيع المخدرات وكذا تحريم تهريب الأطفال خارج الحدود بأي شكل من الأشكال بالإضافة الى تجريم الأعمال التي يرجح أن تؤدي بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول فيها الى الأضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم أو اخلاقهم وكذا بيع الأطفال أو ألتجار بهم واجبارهم على العمل.
وأكدت البان في سياق حديثها أن هناك أحكاما ختامية بهذا الشأن نصت عليها كل من المواد مادة (28) و ( 29 ) و ( 30 ) و ( 31 ) والتي تنص على حق الطفل في الحياة هو أصيل لا يجوز المساس به اطلاقا لا وأن الدولة تكفل حماية الأطفال وتتولى رعايتهم وتعمل على تهيئة الظروف اللازمة لتنشئتهم في كافة مناحي حياتهم تنشئة سليمة تحترم الحرية والكرامة الإنسانية والقيم الإسلامية والاجتماعية وفي بيئة صحية بالإضافة الى حق الطفل العامل في الراحة واللعب وقضاء وقت الفراغ في مزواله كافة الأنشطة بما يتناسب مع عمره وعلى الدولة والمجتمع والاسرة كفالة هذا الحق وتشجيعه على ممارسته فيما تنص المواد أيضا على أن للوزير تحديد الأعمال والصناعات المحظورة والتي يسمح للأطفال ممارستها بناء على موافقة الأطراف الثلاثة.
كثيرة هي القوانين ومتعددة لكن الأسئلة المطروحة تبقى
هل يعي المجتمع هذه القوانين والتزم بتطبيقها؟ وهل تمكنت المنظمات الحقوقية من دعمها وإقرارها في بلد منكوب بكل أنواع الويلات مثل اليمن؟
وهل تمكنا من انتشال ابتسامة بائسة من وجه طفل مثل أيمن الذي يعمل في احدى المطاعم الراقية منذ الساعة 12 ظهرا وحتى الثانية عشر مساء دون كلل أو ملل على أمل ان يذهب في إجازة عيد الأضحى المبارك محملا بالهدايا المتواضعة وقليل من المال لزيارة اسرته التي اجبرته ظروف الحياة القاسية على تركها.
يحلم أيمن ذو الأربعة عشر ربيعا وأمثاله الكثير من الأطفال على مواصلة دراستهم فهل من مغيث ؟
"تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR - صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا".
المزيد ...
المزيد ...
المزيد ...
المزيد ...