تقرير.. من يحاصر عدن ويسعى لإفشال المحافظ لملس؟
لم تعد مدينة عدن تلك المدينة التي سميت قديمًا بـ"الثغر الباسم" بعد أن سلب منها الحاقدون والطامعون بخيراتها طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ابتسامتها، إذ لم يعد لها من اسمها إلا رسمه، ومن البسمة والفرح في وجوه أهلها إلا بقايا ذكريات، كلما تذكروا حال مدينتهم التي كانت عليه قبل أن تطأها أقدام الفاتحين الذين قدموا على متن دباباتهم وعرباتهم العسكرية لتطهير المدينة ممن أسموهم بـ"الشيوعين والماركسيين" بعد أن استباح كبار مشايخ دينهم بفتاويهم الشهيرة دماء الجنوبيين باعتبارهم كفرة وملحدين وغيرها من الادعاءات التي برروا بها اجتياحهم للجنوب عام 94م، لتدخل ثغرنا الباسم مرحلة من الحزن والبكاء لم تفق منها حتى اللحظة.
كلما صفت غيّمت
كثيرة هي الأزمات المفتعلة التي تعصف بالعاصمة عدن، فما إن تفوق المدينة من أزمة إلا وتدخل بأزمة أخرى أشد من الأولى، يقابل ذلك تحدٍ وإصرار يبديه محافظ المدينة أحمد لملس، الذي أدرك منذ تعيينه - بموجب قرار جمهوري صدر في التاسع والعشرين من يوليو/تموز 2020م محافظا لعدن - صعوبة المرحلة والمهمة الشاقة شبه المستحيلة الملقاة على عاتقه لإنقاذ أبناء العاصمة عدن من الوضع الكارثي وجحيم المعاناة غير المسبوقة في المحافظة، فبين خدماتٍ تكاد تصل عند مستوى الصفر، ووضعٍ إنساني وخيم جراء انقطاع المرتبات، وانهيار العملة، وغلاء الأسعار، بالإضافة إلى الفساد المستشري في جميع قطاعات ومرافق الدولة، تبرز حجم المعاناة والأزمة الإنسانية والاقتصادية التي انعكست بشكل مأساوي على كافة مظاهر حياتهم.
عدن المحاصرة وليست صنعاء
"عدن المحاصرة وليست صنعاء" هكذا قالها محافظ العاصمة أحمد حامد لملس بكل مرارة وألم لدى لقائه صباح السبت مدير مكتب المبعوث الأممي بعدن، السيد مروان العلي، واضعا أمامه صورة حقيقية مجردة عن كل البروتكولات والأعراف السياسية المتبعة للمعاناة التي ترزح تحت وطأتها العاصمة عدن نتيجة للأزمات المفتعلة التي تفتعلها بعض الأطراف في الشرعية اليمنية مقارنة بالأوضاع التي تعيشها العاصمة اليمنية صنعاء التي قيل بأنها محاصرة وأنها تقع تحت سيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية.
ودعا محافظ العاصمة عدن، المجتمع الدولي إلى الإسهام بفعالية في انتشال عدن من وضعها الحالي، داعيا المنظمة الدولية إلى تكثيف برامج إعادة الاستقرار الكفيلة بتسريع عملية البناء والتنمية في عدن باعتبارها عاصمة للبلاد.
لملس يتردد في الحديث أمام مدير مكتب المبعوث الأممي عن الوضع الإنساني في العاصمة عدن الناتج عن تدني مستوى الخدمات الضرورية وتدهور قيمة العملة المحلية الذي ترتب عليه ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات وغيره، وكذلك عدم انتظام صرف مرتبات منتسبي الوحدات العسكرية والأمنية، وموقف الحكومة الذي وصفه بالسلبي مما تعيشه عدن من سوء الخدمات وانعكاساته السلبية على الحياة المعيشية للمواطنين، والدور المفترض للمجتمع الدولي في التعاطي السريع مع معاناة أهالي عدن.
ولفت المحافظ لملس إلى أن السلطة المحلية بذلت جهوداً كبيرة في سبيل معالجة الوضع الخدمي وكانت تأمل كثيرا في دور الحكومة لتعزيز جهودها تلك، ولكن وللأسف الشديد ظلت الحكومة عاجزة أمام تلك الأوضاع التي تعيشها العاصمة.
وماذا بعد تشكيل حكومة المناصفة؟
وعلى الرغم من تشكيل حكومة المناصفة، وبدء تطبيق اتفاق الرياض الذي رعته السعودية بين المجلس الانتقالي الجنوبي والشرعية اليمنية، إلا أنّ ذلك لم ينعكس بعد على أوضاع المدينة التي ما تزال الأزمات المفتعلة تعصف بها في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدمات، وانهيار العملة الوطنية وانقطاع الرواتب، فضلاً عن انعدام الوقود وارتفاع أسعاره، وعدم القدرة على تغطية احتياجات المدينة من الكهرباء.
ويرى المحلل السياسي أحمد سالم العودي، في حديث لـ"الأمناء": "إن ما عقّد المشاكل بالنسبة لحكومة المناصفة، هو عدم التزام التحالف بوعود المساعدة التي قطعها لها بمجرد تنفيذ اتفاق الرياض، وسط مخاوف لدى البعض من انهيار الاتفاق، بالإضافة إلى لوبي فساد الشرعية اليمنية التي يرى أن ليس من مصلحته نجاح الحكومة واستقرار الأوضاع في العاصمة عدن والجنوب على حدٍ سواء".
ويضيف العودي: "لا يختلف اثنان أن ما تشهده العاصمة عدن من تدهور في الخدمات، إنما هو نتاج للحرب التي يقودها جناح الإخوان في الشرعية اليمنية لتعذيب أبنائها وإفشال جهود محافظها الشجاع وإخضاع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يتصدر مشهد المواجهة ضد محاولات الإخوان المتواصلة التوغل في المدينة وإظهاره بأنه عاجز عن إدارة شؤون محافظة واحدة من محافظات الجنوب".
من يعبث بعدن ويتلذذ بمعاناة المواطنين؟
في الوقت الذي يخوض فيه محافظ العاصمة أحمد لملس والمجلس الانتقالي الجنوبي حرباً ضروساً لتطبيع الأوضاع في عدن، وإنقاذ الناس من جحيم الوضع الكارثي، تواصل قوى النفوذ من قيادات الإخوان المسلمين المتدثرة برداء الشرعية اليمنية تحشيد مليشياتها باتجاه عدن في محاولة للسيطرة على المدينة وإعاقة أي جهود لانتشال الأوضاع الخدمية المتدهورة، مستخدمة أسلوب التعبئة الدينية والعقائدية في سبيل هدفها لاجتياح مدينة مثخنة بالجراح، يعاني أطفالها كل ليلة للحصول على نسمة هواء باردة تساعدهم على النوم بسلام.
شبح كورونا وقدوم رمضان
أيام قلائل ويحل علينا شهر الخير والبركات حاملا معه نسائمه وأجواءه الإيمانية، وبالمقابل تزداد متطلبات الأسر من الاحتياجات لهذا الشهر الكريم ما يولد أعباءً مضاعفة وهمومًا تضاف إلى جملة الهموم التي يتحملها أرباب الأسر جراء انقطاع المرتبات وارتفاع الأسعار وشبح الصيف وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة في ظل ارتفاع درجة الحرارة ودخول فصل الصيف الذي تبلغ فيه معاناة المواطنين خلاله أشدها .
ولا ينشغل أبناء المدينة والمقيمون فيها بوباء كورونا، واتخاذ إجراءات وقائية لمنع انتشار الفيروس، على غرار ما يجري في معظم المدن حول العالم، بقدر ما تشغلهم مسألة التعامل مع مشاكلهم الاقتصادية وغياب الكهرباء.
خاتمة
تنتظر عدن ويتطلّع أهلها للسماء بانتظار القادم والمجهول، يحدوهم الأمل بمحافظ مدينتهم ومجلسهم الانتقالي ومن خلفهم كل الشرفاء من أبناء الجنوب رغم أن هذا الأمل - بحسب مواطنين - ما يلبث أن يخفت عند صراخ الأطفال في جنح الليل، وحين تلفح حرارة عدن الشديدة جبينَ كهل - كان في يومٍ من الأيامٍ قائداً في أعتى جيوش الجزيرة العربية - يعتصم منذ أشهر للمطالبة بمرتب لا يكاد يفي بنص متطلبات الحياة الكريمة.
وتجمع العديد من الآراء على أنّ عدن تخوض حالياً مرحلة صعبة، وهي تحاول العبور وهي تنوء لاعتلاء صهوة جبل أجرد للخروج من أوضاعها المعقدة، التي فاقمها صراع أقطاب الشرعية اليمنية التي تحاول التمسك بقشة للنجاة من الغرق بعد أن تكشفت مخططاتها وانتهت أوراقها التي كانت تلعب بها وظهرت حقيقتها أمام الملأ.
المزيد ...
المزيد ...
المزيد ...
المزيد ...