المركزي التونسي يصدم قطاع الأعمال بزيادة قياسية في أسعار الفائدة
أكدت ردود أفعال الخبراء والمحللين في تونس الأربعاء أن مغامرة البنك المركزي برفع أسعار الفائدة لن تقدم سوى علاج مؤقت للتشوهات، التي يعاني منها النظام المصرفي، واستبعدوا أن تتمكن من كبح انفلات التضخم والعجز التجاري.
وقرّر المركزي في وقت متأخر الثلاثاء رفع سعر الفائدة الرئيسية بمقدار واحد بالمئة ليصل إلى 7.75 بالمئة، وهي أعلى نسبة يتم إقرارها منذ عام 1990.
وقال في بيان نشره على موقعه الإلكتروني اطلعت عليه “العرب”، إن “استمرار الضغوط التضخمية يشكل خطرا على الاقتصاد وعلى المقدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما يستدعي اتخاذ الإجراءات الملائمة للحد من آثاره السلبية”.
وأضاف “تبعا لذلك تم الترفيع في نسبة الفائدة المديرية 100 نقطة أساسية لاحتواء العجز التجاري وتداعياته على ميزان المدفوعات الجارية وعلى مستوى الموجودات الصافية من العملة وعلى سوق الصرف المحلية”.
وهذه أول زيادة في نسبة سعر الفائدة هذا العام بعد زيادتين متتاليتين خلال العام الماضي، ففي شهر مايو 2018، تم رفعها إلى 6.75 بالمئة من 5.75 بالمئة، وذلك بعد نحو ثلاثة أشهر من زيادة أخرى سبقتها في مارس كانت بمقدار نصف نقطة مئوية.
وحاول محافظ المركزي مروان العباسي خلال مؤتمر صحافي أمس الدفاع عن القرار، الذي وصفه بـ”الصعب”. وأقر بانعكاساته السلبية رغم جدواه في هذا التوقيت بالذات.
وتفاجأت الأوساط الاقتصادية بزيادة تكاليف الاقتراض بفعل ضغوط صندوق النقد الدولي، ما فجر غضبها واعتبرت الخطوة بمثابة العاصفة، التي يمكن أن تنهي نشاط الشركات المتعثر أصلا.
وكان صندوق النقد قد طالب تونس في أكتوبر الماضي بتشديد القيود النقدية من أجل معالجة مستويات التضخم القياسية.
ولدى الخبراء قناعة بأن قرار المركزي قد يكبح شهية المستثمرين وخاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة على الاقتراض بنسبة فائدة مرتفعة في ظل الوضع الراهن.
وأشاروا إلى أن القرار قد يؤثر بشكل مباشر على حجم السيولة المتداولة بين البنوك وبالتالي الحد من القروض لتقليص الاستهلاك والتحكم في التضخم.
ويعاني القطاع المصرفي من غياب الحوكمة، ما أدى لضعف كفاءة البنوك وحوّلها لعائق بدل تحريك النشاط الاقتصادي رغم تحقيقها أرباحا العام الماضي لأول مرة منذ 2011.
وهاجم الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف)، القرار باعتباره “لا يمثل حلا للمشكلات، التي تواجهها البلاد”، محذرا من المخاطر، التي ستنجم عن ذلك على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
وأكد الاتحاد في بيان تلقت “العرب” نسخة منه أن الخطوة ستكون لها انعكاسات سلبية كبيرة على نسق الاستثمار مستقبلا، وسيزيد من ارتفاع كلفة التمويل بالنسبة للمؤسسات.
وأشار إلى أن رفع أسعار الفائدة سيؤدي إلى زيادة بنحو 15 بالمئة في تكاليف الاقتراض تضاف إلى كلفة الزيادات المتتالية السابقة وأن هذا الأمر لن يساعد الشركات على تحمل المزيد من الأعباء.
ويربط الكثير من المتابعين قرار المركزي باتفاق الزيادة في أجور موظفي الدولة والقطاع العام، الذي وقعته الحكومة مؤخرا مع الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية في البلاد.
وترى النقابات أن مستوى أسعار الفائدة الجديد سيلتهم الزيادة الأخيرة في الأجور التي من المفترض أن تساعد الموظفين على مواجهة التكاليف المعيشية الباهظة، والتي أرهقت ميزانياتهم طيلة السنوات الأخيرة.
وقال الأمين العام للاتحاد للشغل نورالدين الطبوبي في تصريحات صحافية إن “الدولة تتحايل على مواطنيها خاصة وأن الإجراء جاء مباشرة بعد إقرار الزيادة في الوظيفة العمومية”.
وتأمل الحكومة، التي تنفذ برنامج إصلاح اقتصادي منذ منتصف 2016، في أن يساعد تشديد السياسة النقدية، بما في ذلك احتواء إعادة التمويل للبنوك المحلية، على تثبيت التوقعات التضخمية ودعم الدينار في سوق الصرف في ما تبقى من العام.
وفقدت العملة المحلية 50 بالمئة من قيمتها خلال العامين الماضيين مع بلوغ العجز التجاري مستويات قياسية، مما أدى إلى تآكل احتياطيات البلاد من العملة الصعبة، التي بلغت الشهر الماضي حوالي 5 مليارات دولار فقط.
وتظهر الإحصائيات الرسمية أن مستوى العجز التجاري بلغ 11.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، حينما وصل إلى 6.35 مليار دولار، مقارنة مع 10.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي قبل عام.
ومن ناحية أخرى، فإن معدل التضخم مازال يتراجع ببطء، حيث استقر الشهر الماضي عند 7.1 بالمئة، مقارنة مع نحو 7.3 بالمئة تم تسجيلها مع نهاية العام الماضي.
وفي ضوء هذه الأرقام المفزعة، فإن محنة صناع السياسات الاقتصادية سوف تتفاقم على ما يبدو خلال العام الجاري بين مواجهة ارتفاع التضخم وغليان الأسعار وبين حماية النمو الاقتصادي الهش.
لكن من المؤكد أن الخطوة ستجعل من الأوضاع الاقتصادية أكثر ضبابية، إذ ستزيد من تكاليف الاقتراض على وجه التحديد، وسط معدلات النمو الضعيفة وارتفاع البطالة التي تبلغ 15.5 بالمئة وضعف نشاط الاستثمارات.
كما أن القرار سيزيد من متاعب التونسيين، في ظل الشلل الحكومي بسبب صراع الطبقة السياسية الغارقة في مشاكلها منذ أشهر استعدادا للانتخابات التشريعية والرئاسية هذا العام والمحاولات المستمرة لإعاقة إصلاحات الحكومة.
ونسبت وكالة رويترز للخبير عزالدين سعيدان قوله إنه “لأول مرة نسبة الفائدة تتجاوز نسبة التضخم. هذا أمر مهم، ولكن للقرار انعكاسات سلبية أيضا متوقعة على كلفة الاستثمار وعلى قدرة التونسيين الشرائية”.
وأوضح أن تشديد السياسة النقدية لا يجب أن يكون إجراء معزولا، بل يجب أن تتبعه خطوات أخرى لكبح التضخم من بينها مكافحة التهريب وزيادة الإنتاج.
ولكي يحقق المركزي هدف استقرار الدينار والرجوع عن الاتجاهات التضخمية، سيكون بحاجة لفعل ما هو أكثر من رفع سعر الفائدة لمرة واحدة، وربما سوف يضطر لرفعها مجددا، في حال لم تتحسن الأمور وفق ما هو مخطط.
وحتى اليوم، لا تستهدف السياسة النقدية لتونس تخفيضا واضحا في قيمة الدينار، كما أن الحكومة نفت مرارا نيتها تحرير أسعار الصرف رغم أن هذه القضية لا تزال تثير جدلا واسعا في الأوساط الاقتصادية
المزيد ...
المزيد ...
المزيد ...
المزيد ...