بعض ملامح التطور الزراعي في السهل الساحلي الجنوبي
تعتبر المنطقة التي تكونها دلتا بنا ودلتا تبن من اهم المناطق الزراعية وهي في تجاورها سميت بالسهل الساحلي الجنوبي وبحسب عيدروس علوي بلفقيه(كتاب اليمن ارضه سكانه موارده 2010) فإن السهل الساحلي الجنوبي يطل على خليج عدن ، ومن اهم الاودية فيه :
وادي بنا : تتكون دلتا ابين من ثلاثة اودية رئيسة وهي وادي حسان الذي يقترب من وادي بنا قرب منطقة باتيس حيث يكونان دلتا ابين المشهورة باراضيها الزراعية الخصبة، الا ان وادي حسان يغير اتجاهه بحيث يكون موازيا لوادي بنا ويصب في خليج عدن اما وادي بنا الرئيس فيصب في خليج عدن عند قرية الشيخ عبدالله ( منطقة دوفس) على بعد 30 كليومتر من عدن .وهناك وادي صهيبية الى الغرب من وادي بنا لايصب في خليج عدن ومياهه تغور في صحراء الحرور . تبلغ مساحة حوض وادي بنا نحو 6200كيلومتر مربع وتقدر المياه الجارية في المتوسط 169.9مليون متر مكعب سنويا .
وادي تبن : يعد من اهم وديان السهل الساحلي الجنوبي ، يتفرع عند قرية زائدة الى فرعين رئيسين الوادي الكبير والوادي الصغير ، يصب الوادي الكبير في خليج عدن قرب مدينة الشعب والوادي الصغير عند قرية العماد قبل ان يصل الى البحر ويكونان معا دلتا تبن المشهورة باراضيها الخصبة تغطي هذه الدلتا مساحة 7650 كليومتر مربع وتقدر المياه التي سجلت فيها عند راس الوادي 225 مليون متر مكعب سنويا المرجع السابق صفحة (262 -264) وكل من وادي بنا ووادي تبن تسمى في بعض المراجع بحوض خليج عدن (د. شهاب محسن عباس ،جغرافية اليمن الطبيعية صفحة 81).
النهضة الزراعية الأولى (1849 -1946):
تتميز منطقة السهل الجنوبي بخصوبتها الزراعية ، وتختلف نسبيا في ظروف تطورها الزراعي، سواء في لحج أو ابين على مر السنين ، حيث كانت الزراعة تعتمد الاساليب التقليدية في حراثة الارض واستخدام مياه الري ومحدودية تنوع المحاصيل واستخداماتها..وبحسب الامير احمد فضل القومندان في كتابه هدية الزمن في اخبار ملوك لحج وعدن قال لا يزرع اهالي لحج في وادي تبن غير شيء من الذرة والسمسم بقدر مايكفي لقوتهم وعلف ماشيتهم ولا يعرفون شيئا من الخضروات والفواكه .صفحة (34) وقس على هذه الوضعية في دلتا ابين.
ويرجح الامير احمد فضل ( القومندان) ان يكون عام 1265 هجرية وهي توافق 1849 ميلادية بداية النهضة الزراعية في لحج حيث طلب المعتمد البريطاني ان يتم ادراج زراعة الخضروات والفواكه ضمن المعاهدة التي بين بريطانيا وبين السلطنة إذ كانت حكومة عدن تهدي السلطان كل سنة ما يكفي من البذور ومع ذلك فقد كانت الصناديق تتكدس والبذور تأكلها السوس لا يزرع منها الا القليل . وقد ساهمت بريطانيا وبالذات شركة الهند الشرقية حينذاك بتطوير الزراعة في حوض عدن ( دلتا ابين ودلتا تبن ) في ادخال العديد من الخضروات والفواكه التي كانت منتشره في الهند وايضا تم جلب بذورالمحاصيل من مصر على سبيل المثال ومن المناطق الداخلية من صنعاء وتهامة وفي هذا الجانب لعب الامير احمد فضل ( القومندان ) دورا كبيرا في ذلك منذ صغره إذ كان القمندان( مولعاً بالزراعة وكل ما يتعلق بشئون البستنة، وفي شبابه كان مسؤلاً عن بستان عائلته ودائماً ما كان يقضي أوقاته بين الحقول والبساتين. واستطاع بعد ذلك أن يملك بستان خاص به يعرف ببستان الحسيني كثيراً ما كان يتغنى به في أشعاره. وبعد أن ترك القمندان العسكرة وهجر الإمارة نشط في تطوير الزراعة في منطقة لحج والبحث عن السبل والوسائل التي تمكنّه من مضاعفة الإنتاج الزراعي، فكان يقرأ كل ما يقع بين يديه من كتب ومجلات ونشرات عربية أو إنجليزية متعلقة بالزراعة وخاصة ما يتعلّق منها بتحديد التربة الملائمة للزارعة وبمكافحة الآفات التي تُصيب المحاصيل الزراعية بالمبيدات ، وحاول كذلك أن يتعمق في القراءة حول تأثير الطقس والمناخ في نمو المزروعات. وقد جلب العديد من اشجار الفواكة ونباتات الزينة . ومن الفواكة الجديدة التي استوردها كان هناك «يوسف أفندي»( -برتقال اليوسفي )، «قصب السكر»، «الموز السكري»، «العاط الهندي»( القشطة )، «الرمان»، «الفنص»( الفنس جاك فروت)، «البوبية»(الباباي)، «جوز الهند»، المانجو و جلب عدد من الأزهار العطرة مثل «الياسمين»، «الفل»، «دوار الشمس»، «الكاذي»، وغيرها. فضل عوض عوزر، القمندان شاعر وفنان - موسوعة عريق .
النهضة الزراعية الثانية 1946 - 1967م :
بعد انتقال إدارة عدن ومحمياتها الغربية والشرقية الى وزارة المستعمرات في لندن عام 1937 شهدت عدن تطورا كبيرا انعكس ذلك على المحميات القريبة منها، وهي السلطنة الفضلية ابين والسلطنة العبدلية لحج في مختلف المجالات وبالذات التطور في المجال الزراعي، وقد شهدت دلتا ابين تطورا زراعيا في النهضة الزراعية قبل دلتا تبن وكانت السلطنة الفضلية حينذاك في عهد السلطان عبدالله عثمان الفضلي الذي حكم من ( 1942 - 1962ميلادية ) وتحسب النهضة الزراعية اليه لما قام به من دعم ومؤازرة لجهود التنمية ... ففي عام 1946تم البدء بتأسيس لجنة ابين التي تولت الاعمال الزراعية المتعلقة بزراعة القطن وتحسين عملية الري وقد كان تأسيس لجنة ابين بحسب محمد ناصر عولقي لتفادي النزاعات المحلية بين القوى المتنفذة انذاك إذ يقول : جاءت فكرة استصلاح الأراضي الزراعية في منطقة دلتا أبين وجعار وتأسيس نظام ري حديث فيها ليشكل من ناحية رابطا اقتصاديا بين السلطنتين ( السلطنة الفضلية وسلطنة يافع السفلى) وينظم ويقسم حصة كل سلطنة من عملية الري وهو السبب الجوهري للنزاع والصراع المتكرر بينهما ومن ناحية أخرى يؤمّن لمصانع النسيج في ليفربول ولانكشتر ببريطانيا ما تحتاجه من الذهب الأبيض ( القطن ) بعد خروج بريطانيا من الهند ويضيف قائلا : وقد تأسست لجنة أبين Abyan Board رسميا عام 1947 م بقرار من حاكم عدن البريطاني وكان المسؤول عن هذا العمل هو الضابط السياسي والمهندس الزراعي الإنجليزي براين هرتلي الذي أصبح لاحقا أول مدير عام تنفيذي للجنة أبين عند تأسيسها رسميا عام 1947وانشأ ادارتها فوق جبل خنفر في جعار
وكانت مهمتها الأساسية هي رعاية وتشجيع وشراء وحلج وتسويق منتوج الذهب الأبيض ( القطن ) طويل التيلة الذي كانت زراعته ناجحة جدا في المنطقة وكذلك مربحة جدا للمزارع وللجنة ولمنطقة دلتا أبين التي أصبحت خلال الخمسينيات والستينيات أغنى منطقة في محميات عدن الشرقية والغربية تقريبا بفضل هذا المشروع الاقتصادي العملاق ( عدن الغد 2018/11/14).
وقد لعبت لجنة أبين دورا حضاريا كبيرا في المنطقة من خلال مشروع السنت الثقافي حيث كان يستقطع على كل مزارع سنت واحد من قيمة كل رطل يبيعه للجنة ومن عوائد هذا المشروع بنيت المدارس والخدمات الأخرى في المنطقة وابتعث الطلاب من السلطنتين اليافعية والفضلية الى الخارج .
وقد اولت لجنة ابين شبكة الري اهتمامها من خلال تأسيس سد باتيس وذلك ببنا سد تحويلي بالقرب من منطقة حيد المصانع 1954م والذي لم يصمد امام فيضانات عام 1982م وهنا دعت الحاجة لانشاء سد جديد تم تشييده بمسافة لا تبعد سوى 700متر فقط بمساعدة من قبل الاتحاد السوفيتي (المكتبة العامرية للتوثيق AlmktbhAlamryhLltwthyq)
اضافة الى ذلك قامت لجنة ابين بتعيين مشرفي الري من ابناء المنطقة اطلق عليهم بضباط الري وهم الذين كانوا يشرفون على الري من باتيس وحتى منطقة الكود، لم تكتمل هذه البنية التحتية والتأسيسية الا بانشاء محلج القطن في عام 1952 في منطقة الكود، وهو اول محلج للقطن في الجزيرة العربية، ثم في فترة لاحقة تم تأسيس مركز ابحاث الكود في 15 سبتمبر 1955 ويعتبر الاول من نوعه في منطقة الخليج والجزيرة وكان من مهامة اجراء البحوث الزراعية في الدلتا والعمل على رفع انتاجية المحاصيل والقطن من وحدة المساحة ومواجهة المشكلات الزراعية التي تواجه المزارعين ومحاصيلهم .
لقد تأخرت الزراعة في دلتا تبن عن مثيلتها دلتا ابين بسبب بعض الظروف السياسية والخلافات التي نشبت بين السلطنة العبدلية والسلطة الاستعمارية في عدن . وفي عام 1954 وبحسب فضل جابر اليماني كبير المرشدين الزراعيين في لحج ، تأسست لجنة الإنعاش الزراعي1954 والذي كان لها الفضل في زراعة القطن ومتابعة مراحله حتى الحصاد حيث قدمت آنذاك البذور والقروض البيضاء للمزارعين تشجيعاً لزراعة منتوج القطن الذي ادخل كقطن طويل التيلة كما قامت بتأسيس محلج القطن في منطقة صبر ( المؤتمر نت 2007 وحيد الشاطري )يقول السلطان علي عبدالكريم العبدلي لصحيفة عدن الغد ( استمر الإصلاح في لحج بإدخال زراعة القطن والذي سبقتنا إليه منطقة أبين بعدة سنوات واستطعنا الحصول على معونة مالية قدمتها لنا لجنة أبين لشراء محلج لغرض زراعة القطن في لحج على أن نسدد هذه المعونة المالية في ثلاث سنوات لكننا وبهمة شبابنا وكان من بينهم الأستاذ قحطان الشعبي الذي أدار العمل بكفاءة والأستاذ محمد سعيد سبيت الذي تولى إدارة المحلج، استطعنا أن نسدد المبلغ في سنة واحدة وأعدنا المعونة (القرض )إلى لجنة أبين شاكرين. )(عدن الغد ، هشام عطيري 2014) وتمكنت السلطنة العبدلية من الاتصال بالخبراء الاجانب في منظمة الأغذية والزراعة( الفاو ) دون المرور عبر الادارة الاستعمارية في كيفية استغلال مياه السيول وعدم الإعتماد كليا على المياه الجوفية فقاموا بمعاينة الأودية والينابيع الجوفية معاينة دقيقة واكدوا على ضرورة الاهتمام بمياه السيول التي يمكن ان (تضاعف الأرض المروية إلى ثلاثة أضعاف وأن تجعل لحج خضراء... من رأس الوادي إلى دار سعد.) وقد اثمرت تلك الجهود ببناء السد التحويلي الخرساني مكان السد التقليدي السابق عام 1959 وسمي بسد راس الوداي ( د.علي عيدروس السقاف ود. احمد باسويد، الطرق التقليدية للري الفيضي في سلطنة لحج السابقة https://books.openedition.org/cefas/2894#tocfrom1n1 وفي الثمانينات من القرن الماضي شهدت منطقة العرائس تنفيذ مشروع استصلاح الارض وبناء سد العرائس من قبل المشاريع اليمنية السوفيتية .
النهضة الزراعية الثالثة (1967 - 1990) :
تشير الفترة (1967 -1990) الى بداية ونهاية الدولة الوطنية الجنوبية ، وهي الفترة التي حكمت فيها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الجنوب من باب المندب الى المهرة لاكثر من اثنين وعشرين سنة ، وهي فترة شهدت تحولات شاملة في التشريع والإدارة والاقتصاد والزراعة والصناعة والتعليم ففي مجال الزراعة شهدت دلتا ابين ودلتا تبن تطورات ملموسة في الانتاج الزراعي والحيواني وتأسيس الأشكال الاقتصادية الجديدة في الزراعة كالتعاونيات ومزارع الدولة وعنيت بالبحث العلمي الزراعي الذي تطور كثيرا ممثلا في مركز ابحاث الكود في دلتا ابين ، وتأسيس معهد ناصر للعلوم الزراعية في الحوطة عام 1969 بالتعاون بين مصر وبين بلادنا وقد تطور هذا المعهد الى كلية جامعية وقد صدر قرار جمهوري بتاسيسها في 30 مارس 1973باسم كلية ناصر للعلوم الزراعية وهي إحدى كليات جامعة عدن.
ان النهضة الزراعية في هذه الفترة تتطلب وقفة اطول لما تميزت به من انجازات سوف نحاول ان نوليها اهتماما اكبر في المستقبل باستعراض جوانب التطور بشكل موسع وذكر الاسهامات التي اجترحتها الكوادر الهندسية الزراعية وكافة العاملين في قطاع الزراعة.
YOU for information technology