رأي
الخميس 02 يناير 2020 12:41 صباحاً

الفاسدون والضحك على ذقون العوام

محمد مرشد عقابي

تكاد لا تخلو اي دولة أو مؤسسة من الفساد لكن مدى ظهوره وإتساع نشاطه يعتمد على المنظومة القانونية الصارمة التي تنتهجها الدول لمحاربته، ولأجل محاربة الفساد تصرف الدول اموال طائلة لتشغيل وتفعيل نُظم مكافحة الفساد وهذه الإجراءات بحد ذاتها كلف اقتصادية إضافية تضاف الى أعباء الفساد الإقتصادية.

يحتاج الفساد إلى بيئة خاصة ليتكاثر فيها وينمو ويتسع نشاطه، كما يحتاج الفساد ايضاً إلى منظومة سياسية وحكومية خاصة ليعشعش وينشأ ويترعرع فيها، ينمو الفساد بصورته المتسعة في بيئتين أولهما هي البيئة الدكتاتورية حيث يستأثر مجموعة من الأفراد على مقدرات بلد معين او مؤسسة خدمية او مرفق معين وتتولد بينهم تراتبيه من المنفعة، تكون فيها حصة الأسد لرأس هرم السلطة وحاشيته، ثم تمتد بتنازل عمودي للدرجات الدنيا في النظم الهيكلية الدكتاتورية وهؤلاء الدرجات الدنيا يحصلون على قطع صغيرة من كعكة المغانم وتورتة الفود، اما البيئة الثانية التي ينمو فيها الفساد هي بيئة الفوضى، حيث لا قانون ولا ضوابط ولا نظم ولا إجراءات إنما أهواء ومزاجات وتصرفات رعناء تدير دفة الأمور، ويعيش البلد او المؤسسة او المرفق العملي الفوضى في صراع محموم بين اللأعبين الأساسين في المشهد السياسي للإستئثار بالمغانم وجني الفوائد والأرباح، ويرافق الفوضى عادة جهل من عوام المجتمع مع سياسة تجهيل ينتهجها القادة او النافذون للعب بعقول اتباعهم ومريدهم.

 

في بيئة الفوضى يسعى المؤثرون السياسيون إلى إغلاق كل منافذ الإصلاح والسعي لإحداث الأزمات واستغلال حتى الأمور الصغيرة والتافهة في إفتعال الأزمات الكبيرة، وكلما يشهد البلد استقراراً نسبياً تسعى مافيات الفساد إلى خلق زوبعة إجتماعية او أزمة سياسية لتأصيل المشكلة وتجذيرها وتعميقها، وتعتمد المافيات هذه على إعلاميين بارعين في الكذب والتضليل وتزييف وقلب الحقائق وقنوات فضائية وصحف مأجورة لتضليل الرأي العام وتشويش المشهد أمام الجمهور، ويعمل الفاسدون على إظهار انفسهم بانهم رجال خير ومحبون للمصلحة العامة سواء للبلد او للمؤسسة او الجهة التي يرتبطون فيها، اما في بيئة الفوضى يكون الصوت العالي الداعي إلى محاربة الفساد هو صوت الفاسدين انفسهم وهذه هي البلطجة والفهلوة بحد ذاتها، وفي بيئة الفوضى تكون دعوات الإصلاح صادرة من المؤسسين للفشل والخراب وهذه هي الجريمة والكارثة الكبرى والمصيبة الأعظم، لذا تجد في بيئة الفساد اختلاط للمفاهيم القيم والمبادئ وضبابية وتخبط لدى عموم ابناء الشعب الذين يصحون مسخرة في تمر عليها اضحوكات هذه النوعية من المسوخ البشرية ليصبح حينها الحق باطل والباطل حق والمصلح فاسد والفاسد بنظرة الأغلبية هو المصلح، والله المستعان على ما تصفون.

جميع الحقوق محفوظة لـ [عدن لنج] ©2024
تطوير واستضافة
YOU for information technology