رأي
الأحد 24 نوفمبر 2019 10:23 مساءً

من يمتلك الكرة؟

محمد الثريا
في واقع الحارات والإزقة :
ـ ‏غالبا ما تجد الأطفال هناك يتناقشون ! من الذي سيلعب ومن الذي سوف لن يلعب،فيما صاحب الكرة دائما مكانه محفوظ ويجلس متكئا ينتظر التشكيلة فقط، وإن أغضبوه بسبب عدم تفاهمهم في إختيار التشكيلة المناسبة يأخذ الكرة ويعود إلى بيته فتنتهي المباراة ، لأنه في الأخير صاحب الكرة، لذا فهو دوما يبقى الآمر الناهي..
 
أما في واقع البلد السياسي: 
فقد لا يختلف الامر كثيرا عن حال الازقة تلك ! سواء من حيث دور اللاعبين المحدود او حتى من حيث الهيمنة المطلقة لصاحب الكرة ؛ عدا ان ثمة جزئية مهمة ستبدو هنا مختلفة قليلا وهي! 
ان كل لاعب في معترك السياسة يدعي إمتلاكه الكرة دون غيره،وانه لوحده من يمتلك خيار قبول او رفض التشكيلة بل وحتى مصير اللعب بكامله ..
 
ليقف حينها الشعب حائرا متسائلا : من هو صاحب الكرة الفعلي؟ حتى نفهم واقع البلد ومشهدها السياسي بدقة بعيدا عن كل هذا التشويش والتظليل؟ وحتى نعلم من هو صاحب القرار النهائي والقول الفصل في كل مايدور ويحدث بالبلد؟ ترى من يقود دفة هذا الوطن وشعبه؟ وكيف يمكن الحديث عن منجزات وإخفاقات وما يتصل بها من مسؤولية قانونية وأخلاقية؟في ظل دعوى الجميع بالإنتصار ونكرانهم الهزيمة ؟!
 
..قطعا سيهتف البعض بان صاحب الكرة ومالكها الوحيد هو الشعب وان القرار هو قرار الشعوب دائما وأبدا. 
ياعزيزي هذا الخطاب العاطفي والشعبوي وعلى مر التاريخ لم يغادر يوما منطوق أصحابه بدليل التجارب السياسية الكارثية والنكبات العربية المتوالية والتي كان سببها دائما أنظمة الحكم السياسية وليست الشعوب المسيرة والمنكوبة، وهو ما يؤكد ان تلك الشعوب دائما ما كانت ضحية لقرارات قادتها وحكامها وكذا ضحية الحقيقة في انها ليست صاحبة القرار كما يزعم أصحاب تلك الخطابات العاطفية ..
 
لكن بالمقابل فان طبيعة الامور وواقع العيش على هذه المعمورة سيقودك حتما الى مسلمة أزلية وهي! انه لابد من تمثيل معين يختزل القرار والقيادة في شخوصه ولا مانع من تسميته بالمكون السياسي والمنوط به ان يكون صاحب الكرة الوحيد امام شعبه الذي أدعى تمثيله ..
 
في ملف الازمة اليمنية الشائك يبدو ان الحوثيين قد استطاعوا حسم جدلية إمتلاك الكرة مبكرا في الشمال، فباتوا هم من يتحكمون بالمشهد برمته هناك وعلى هذا الاساس يتم التفاوض معهم اليوم دون سواهم ..
 
نأتي الى الجنوب المحرر حيث يبدو ان الجدال حول ملكية الكرة لازال على حاضرا وبقوة بين الشرعية والانتقالي؛ فعلى الرغم من ان معظم الجنوب لم يعد راغبا بالوحدة وهو المشروع السياسي لكيان الشرعية اليمنية؛ الا ان حالة الإرباك والتشويش التي ساهم فيها كلا من مكونات جنوبية متقلبة وكذا سياسيات مبهمة لقطبي التحالف قد حالت كثيرا في تأخر حسم الانتقالي هدف فك الارتباط بل وحتى في جدلية إمتلاكه الكرة امام خصمه الحالي الشرعية خاصة بعد اتفاق الرياض وقبول الشراكة معها.
 
لكن ماذا لو علمنا في نهاية المطاف ان كل ذلك الجدل والصراع الداخلي ليس إلا نقاش اللاعبين الاطفال حول من سيلعب ومن سوف لن يلعب؛ وان صاحب الكرة الفعلي والذي يمتلك وحده القرار النهائي حول موعد بداية المباراة ونهايتها، هذا طبعا اذا أعجبته التشكيلة ! هو"رباعية" ملف الازمة اليمنية المفوض الوحيد أمميا بحل الصراع اليمني وحسم مباراته بحسب ما تراه دول تلك اللجنة مناسبا لمصالحها أولا، وثانيا بما تراه هذه اللجنة الحل الأنسب سياسيا لاطراف الداخل المحترب شمالا وجنوبا..  
 
..اي أنه ليس بالضرورة هنا ان يأتي الحل السياسي الحاسم للجدل وفقا لطموحات اطراف الصراع فهم في الاخير بنظر دول الرباعية مجرد لاعبين مفترضين ويؤدون دورا محدودا فقط..اذ سيقتصر الحل النهائي حينئذا وكما ذكرنا حسب رغبة ومصالح صاحب الكرة الحقيقي (الرباعية).
 
أظن من خلال هذا السرد سيعلم الجميع لماذا بتنا نسمع اليوم من خلال تصريحات اطراف الداخل عن ضرورة التنازلات ووجوب عدم البكاء على الماضي في سبيل تحقيق المكاسب المفترضة مستقبلا بعد ان كنا نسمع حتى الامس القريب زمجرة الخطابات النارية والشعارات المزلزلة ومن جميع اطراف الصراع دون إستثناء .
.. ببساطة يا سادة ! لستم أصحاب الكرة الفعليون على الاقل في الوقت الراهن .
 
 ثمة مراحل طويلة أمامك ينبغي أن تمر عبرها رحلة التطور والتحول السياسي لتتحول حينها من مجرد لاعب مفترض حسب رغبة غيره الى مالك حقيقي وفعلي لكرتك المستقلة ( قرارك السياسي).
وحتى ذلك الحين نرجو التركيز على التشكيلة أولا ( الخطة السياسية الواقعية) التي ستضمن حظوظك ومستقبلك ولربما الحد الادنى من رفع معاناة شعبك المنهك .
جميع الحقوق محفوظة لـ [عدن لنج] ©2024
تطوير واستضافة
YOU for information technology