مجتمع مدني

مدارس طالبان في تونس تعد أجيالا من المتشددين

الثلاثاء 05 فبراير 2019 04:32 مساءً عدن لنج_آمنة جبران

فجرت حادثة ضبط مدرسة قرآنية في تونس تورطت في الاتجار بالبشر وسوء معاملة الأطفال إشكالية التعليم الديني الموازي الذي انتشر في البلاد منذ ثورة يناير 2011، وهي مدارس على شاكلة مدراس طالبان؛ في ظاهرها تعليم القرآن وفي باطنها تلقن الأطفال الأفكار المتطرفة بهدف إعداد أجيال من المتشددين.

وأعلنت السلطات التونسية، الاثنين، أنها أوقفت مسؤولا عن مدرسة قرآنية متهما بإساءة معاملة 42 طفلا واستغلالهم، لافتة إلى أنها نقلت هؤلاء إلى مركز للاندماج، بعد أن أعلنت، عن ضبط مدرسة قرآنية بمنطقة الرقاب التابعة لولاية سيدي بوزيد، ثبت تورطها في الاتجار بالبشر وممارسة العنف ضد أطفال وتلقينهم أفكارا متشددة.

وأحدث خبر الكشف عن المدرسة وممارساتها صدمة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل في تونس. وكان تحقيق صحافي استقصائي نشر على تلفزيون محلي خاص أشار إلى وجود هذه المدرسة التي تعمل خارج إطار القانون وخارج رقابة وزارة التربية والتعليم وأيضا وزارة الشؤون الدينية.

وأوضحت وزارة الداخلية في بيان، أن وحدات أمنية عثرت في المدرسة “على 42 شخصا تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاما و27 راشدا بين 18 و35 عاما، تبين أنهم يقيمون مختلطين بنفس المبيت في ظروف لا تستجيب لأدنى شروط الصحة والنظافة والسلامة وجميعهم منقطعون عن الدراسة”. كما أفادت بأنهم يتعرضون للعنف وسوء المعاملة ويتم استغلالهم في مجال العمل الفلاحي، وأشغال البناء ويتم تلقينهم أفكارا وممارسات متشددة.


ونقلت عن طبيب الصحة العمومية الذي عاينهم أن البعض من الأطفال مصابون بعدة أمراض كضيق التنفس والجرب والقمل. وأعلنت الداخلية عن الاحتفاظ بصاحب المدرسة بعد إذن النيابة العامة من أجل “الاتجار بالأشخاص، والاستغلال الاقتصادي لأطفال والاعتداء بالعنف” ومن أجل “الاشتباه في الانتماء إلى تنظيم إرهابي”. كما جرى الاحتفاظ بامرأة عمرها 26 عاما اعترفت بزواجها من المعني على خلاف الصيغ القانونية. وأذنت بإيواء الأطفال بأحد المراكز المندمجة للشباب والطفولة وتمكينهم من الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية اللازمة، فيما أثارت هذه الخطوة احتجاج الأولياء، إضافة إلى الحديث عن عرض أطفال للفحص الشرجي الذي نددت به منظمة العفو الدولية.

وأوضح النائب عبداللطيف المكي في معرض تعليقه على ظروف إيواء التلاميذ بهذا المركز بعد زيارته له قائلا “زرت ولمدة قرابة الساعتين المركز الذي يتواجد به الأطفال الاثنان والأربعون بقرار قضائي.. تفقدنا غرف النوم وقاعة الأكل وهي ظروف معقولة وقد مكنوهم من 42 مصحفا وقاعة للصلاة وقد أخذت لهم صورة من الخلف وهم يصلون جماعة ومكنوهم من لعب كرة القدم بصحن المبنى الذي يبلغ قرابة 400 متر مربع وتحدثت مع العديد منهم فلم أجد أنهم تحت ضغط ما وهم كلهم في سن التمدرس الإعدادي والثانوي، ولكن للأسف لا أحد منهم متمدرس حاليا فهل أن ذلك نتيجة فشل دراسي أم قرار واع بعدم الدراسة من أوليائهم”.

وأشارت وزارة التربية إلى أنها بصدد التنسيق مع الوزارات ذات العلاقة للنظر في إعادة دمج أطفال مدرسة الرقاب في المسار التعليمي أو توجيههم نحو مراكز التكوين المهني مع ضمان المتابعة النفسية اللازمة.

وقالت في بيان لها، الاثنين، “إن هذا الإجراء يأتي في إطار التفاعل مع ما تعرّض إليه أطفال مدرسة الرقاب من حرمانهم من حقهم في التربية والتعليم والصحة والرعاية..”.

وأكد المندوب العام لحماية الطفولة مهيار حمادي أن الأطفال كانوا يقيمون في ظروف قاسية ولا تحترم حرمة الطفل وكرامته باعتبار تواجدهم في فضاء غير قانوني ولا يستجيب للسلامة البدنية والمعنوية للأطفال. وأضاف لـ“العرب”، “ننتظر قرار النيابة العمومية الذي سيقع اتخاذه بخصوص هذا الملف وقرار إيواء الأطفال بمراكز الإدماج”. وتقع تلك المدرسة في منطقة خالية من التجمعات وبعيدة عن الشوارع الرئيسية، ببلدة الريحانة من معتمدية الرقاب بسيدي بوزيد.

وحسب وسائل إعلام محلية يشرف عليها أحد الشيوخ الذي سجلت في حقه شبهات إرهاب منذ 2011، وقد صدر في حقها قرار غلق منذ مدة طويلة بعد تشكيات من الأهالي الذين شككوا في نشاطها ولاحظوا تحركات مريبة داخلها، إلا أن المشرفين عليها لم يمتثلوا لهذا القرار وواصلوا استقطاب الأطفال من كافة مدن البلاد لتدريسهم وإيوائهم.

وتم إصدار حوالي 3 قرارات غلق لهذه المدرسة القرآنية بين 2012 إلى 2019، لكن لفترات قصيرة، فيما اتجهت السلطات لقرار غلقها الأحد بصفة رسمية.

وباتت المدارس القرآنية تهدد نظام التعليم بالبلاد بشقيه العمومي والخاص، إذ أنها تلقن للتلامذة مواد غير خاضعة للرقابة في تجاوز علني للمناهج الرسمية لوزارة التعليم، كما أنها تروج للفكر المتطرف وتحرضهم على العنف، ولا يتوقف في تونس الجدل حول حقيقة هذا النمط من التعليم الذي بدأت ملامحه تثير المخاوف بين أطياف واسعة من المجتمع، لقلقهم حول استدراج الناشئة في فخ الإرهاب، الأمر الذي يحذر من أن المقاربة الأمنية والفكرية لاستئصال هذه الظاهرة لم تنجح بعد في ما تصبو إليه.

ويشير تحليل لمعهد واشنطن للدراسات إلى أن الحكومة التونسية تدرك أن المقاربة الأمنية غير كافية، ولكنها في الوقت نفسه لم تحرز تقدما ملحوظا باتجاه اعتماد مقاربة أكثر شمولية. ورغم تحسّن الوضع بشكل كبير مقارنة بالفترة 2012 - 2013، فضلا عن عدم تعرض تونس لهجوم كبير منذ نوفمبر 2015، إلّا أنه لم يتمّ تحقيق الكثير لمعالجة المحرّكات الكامنة وراء التطرف. ولعل عودة الجدل حول المدارس القرآنية خير دليل على صحة هذا الرأي.

وأكد معز الشريف رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل لـ”العرب” أنه يجب الضغط لاحترام قرارات الغلق وأن السلطات تتحمل مسؤولية التباطؤ في تطبيق قانون وتوفير آلية إشعار لضمان بحماية الأطفال من هذه الانتهاكات. وعلق بقوله “هناك تقصير واضح وفظيع”.

وأشار الشريف إلى أن “المدارس القرآنية انتشرت في كامل أرجاء البلاد بصفة عشوائية ولا تخضع للرقابة ولا تأخذ بعين الاعتبار برنامج التعليم الرسمي”.

انتشار المدارس القرآنية
بعد انتفاضة عام 2011 انتشرت المدارس والجمعيات القرآنية بشكل واسع مستفيدة من مناخ الحرية، غير أن الحكومة بدأت بحملة تعقب للجمعيات ذات التمويل المشبوه أو المتورطة في نشر التطرف، وأمر القضاء بإغلاق بعضها، بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية الدامية التي تعرضت لها البلاد.

وقال وزير الشؤون الدينية أحمد عظوم في تصريح إذاعي الأحد، إن المدرسة “القرآنية” بالرقاب تأسست بعد الثورة في إطار مرسوم 2011 الخاص بتكوين الجمعيات والذي منح الحرية المطلقة لمثل هذه الجمعيات دون تدخل من الوزارة. وأوضح أن الدولة هي من تتحمل المسؤولية لأن المدرسة صدر قرار بغلقها منذ فترة لكن القرار لم ينفذ.

وحسب مصلحة الكتاتيب القرآنية بوزارة الشؤون الدينية فإن عدد الكتاتيب القرآنية التابعة للوزارة يبلغ 1664 كتابا يدرس فيها حوالي 47 ألف طفل في سن الأربع والخمس سنوات.

ولاحظت راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية “تذبذبا في تصريحات المسؤولين بوزارة المرأة ووزارة الشؤون الدينية منذ اكتشاف مدرسة الرقاب، وهو ما يكشف عن عدم سيطرتها عن الدور الدينية ويدفع إلى المزيد من انتشار هذه المدارس غير القانونية”.

وأضافت لـ“العرب” أن “تواجد رياض أطفال خارج تأطير وإدارة وتسيير الوزارات المعنية خطأ كان من الضروري تجاوزه وسبق أن نبهنا إليه منذ فترة حكم الترويكا في تونس”.

وقد شهد عدد المدارس القرآنية ارتفاعا ملحوظا في فترة حكم الترويكا بزعامة حركة النهضة الإسلامية (من سنة 2011 إلى 2014) والتي اتسمت بضعف الرقابة، مما أتاح فيها بث مواد تعليمية تعتبر متطرفة للأطفال.

وتابعت الجريبي “قصر في سن التمدرس تتبناهم جمعية قرآنية، هذا مخالف للقانون ويعرض الأولياء إلى العقاب أيضا”. وتساءلت “كيف يمكن تدريس أطفال خارج إطار التعليم العمومي.. خطأ فادح أن تمارس مدرسة قرآنية وظيفة غير وظيفتها وهي التعليم والتمدرس”.

واعتبرت أن هذه الحادثة تبين أن “الفكر الداعشي مازال يهدد البلاد، في حين أن هناك غض نظر من بعض النافذين في السلطة عن المارقين على القانون بهدف تحقيق أهدافهم”.

ويحمّل المراقبون مسؤولية استهداف التعليم من قبل التنظيمات المتطرفة وممثلي الإسلام السياسي بالبلاد أي حزب حركة النهضة الإسلامي منذ مشاركته في الحكم أعقاب ثورة يناير.

وعلق الروائي التونسي شكري المبخوت على حادثة مدرسة الرقاب في تصريحات صحافية قائلا “الإسلام السياسي منذ نشأته في تونس اعتمد على هذه المدارس لنشر فكره والانتشار في ربوع البلاد”. وتابع “حين نتذكر أن الإسلام السياسي اعتمد على جمعية المحافظة على القرآن الكريم ومقراتها في تكوين نواة الجماعة الإسلامية التي سميت في ما بعد بالاتجاه الإسلامي ثم حزب حركة النهضة نفهم الحملة المسعورة دفاعا عن وكر طالبان في بلادنا واتباع نموذجه”. ووصف الغاية من هذه المدارس بأنها “لتكوين جيش الاحتياط وتفريخ الإرهابيين”.

ويحذر خبراء من أن استراتيجية غرس الإرهاب في المجتمع من قبل التنظيمات الجهادية تبدأ من هذه المدارس والكتاتيب، حيث يستغل الإرهابيون انشغال الحكومة ونقابات التعليم في الاحتجاجات المتعقلة بالقطاع منذ فترة طويلة لاستقطاب الناشئة.

وبلغت أزمة التعليم ذروتها هذا العام في تونس بين وزارة التربية ونقابة التعليم الثانوي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، وأدت إلى تعليق الدروس والامتحانات بينما يكاد ينقضي نصف العام الدراسي وبدأ أولياء أمور الطلبة بتنفيذ احتجاجات في الشوارع للمطالبة باستئناف الدراسة والنأي بأبنائهم عن الأزمة. وتجري مفاوضات بين الحكومة والاتحاد للتوصل إلى حلول وتفادي سنة دراسية بيضاء.


يقول الخبراء إن استراتيجية التنظيمات المتطرفة تستهدف أساسا التعليم وتحاول اختراقه، وتحتكم إليها في مختلف مناطق تواجدها بالعالم. وسبق أن كشفت صحيفة “ذي تايمز” البريطانية، في أكتوبر الماضي، أن حركة طالبان الأفغانية حظرت تعليم الفتيات ووضعت مناهج متشددة جديدة في مدارس المنطقة التي تسيطر عليها شمال أفغانستان.

وأشارت الصحيفة في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني، إلى أنه منذ اجتياح طالبان مدينة قادس في إقليم بادجيس شمال غرب أفغانستان، توسع نفوذها إلى كل جوانب الحياة اليومية تقريبا، وبينها 100 مدرسة في المنطقة واجهت خيار الخضوع لمطالب المتمردين أو الإغلاق.

وأضافت الصحيفة أن المناهج الغربية التي عادت للظهور في المدارس الأفغانية بعد الغزو الأميركي في 2001 تم شطبها تماما، موضحة أن اللغة الإنكليزية والعلوم تم استبدالهما بالتلاوة القرآنية، بينما تم إيقاف تعليم الفتيات بعد سن الـ12 عاما إلى جانب إغلاق العديد من مدارس الفتيات.

ونقلت الصحيفة عن أحد الطلاب في قادس ويدعى بالواشا أميري (12 عاما)، أن طالبان انتزعت حريتهم ومنعتهم من قراءة الكتب الأخرى التي تجانب المنهج الإسلامي، مضيفا أن تعلم القرآن أصبح إجباريا في الفترة الأولى من اليوم الدراسي بجانب حظر اللغة الإنكليزية والعلوم.

المزيد في مجتمع مدني
تعادل ناشئي نادي حسان وناشئي نادي المنصورة بهدف لكل فريق في المباراة الودية التي جمعتهم اليوم على أرضية ملعب الفقيد علي أحمد العلواني بمديرية المنصورة بالعاصمة
المزيد ...
عقد رئيس الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة حضرموت، بمقر الهيئة في المكلا، اليوم الأحد، لقاءً موسعاً مع بعثة فريق نادي قشن الرياضي
المزيد ...
  غيّر موقع التدوين المصغر "تويتر"، الاثنين، اسمه وصورته على الحساب الرسمي من العصفور إلى الحرف "X"، كما وضع مالكه، الملياردير الأميركي، إيلون ماسك الشعار الجديد
المزيد ...
    توفي الكاتب الفرنسي التشيكي المولد الشهير ميلان كونديرا عن عمر ناهز 94 عاما، حسبما أكدت متحدثة باسم "مكتبة مورافيا" في مدينة برنو التشيكية نيابة عن زوجته. حيث
المزيد ...