مديرية طور الباحة إحدى مديريات محافظة لحج والتي يربطها ببقية مديرياتها الأربعة عشر خط اسفلتي يزيد طوله عن 89 كيلومتر مبتدياً من تقاطع صبر الوهط ليمر مخترقاً منتصف الصحراء المسماه بخبت الرجاع والتي تشكل ثلثي مساحتها المترامية الأطراف لينتهي ملتقياً الخط الاسفلتي الذي يربط المديرية بتعز في المنفذ التاريخي المسمى بالمرصد في قرية البيضاء الحدودية والذي شهد حركة تجارية هائلة للشاحنات والقواطر الضخمة الناقلة للحاويات من ميناء عدن في الشهور المنصرمة كأهم ممر تجاري بين الشمال والجنوب بعد إغلاق طريق كرش والخط الساحلي باب المندي قبل أن يتوقف بسبب المعارك المحتدمة في منطقة حيفان لتصبح طور الباحة محطة ترانزيت لإعادة نقل البضائع بوسائل النقل الصغيرة من والى تعز .
في جوانب الطريق الذي يبدوا كثعبان أسطوري تلمح عيناك بعض التجمعات السكانية للبدو والرحل الذين وجدوا من البيئة الصحراوية القاسية مكاناً مناسباً لرعي ماشيتهم ونشر خلايا نحلهم وخاصة في موسم تساقط الأمطار من السنة ، بيوت من القش والصفيح تنتشر هنا وهناك لتحكي قصة أناس يعيشون بعيداً عن تعقيدات العالم واحتياجاته العصرية التي لا تعني لهم شيئاً .. ضالتهم وجدوها هنا في هذه الرحاب الفسيحة قطع من الأرض الرملية تمتد على مد البصر ليس لهم منها إلا فسحة الحرية في التنقل والمكوث .. المعاناة وحدها رفيقتهم كما نراها نحن ونستشعر ذلك من سيمائهم الكالحة وأجسادهم النحيلة التي أحرقتها الشمس ، عالم قد نكتشفه ذات يوم لنحكي قصة أناس قهروا الطبيعة واستأنسوا جبروتها فجعلوها حياتهم ومصدر رزقهم الوحيد .
كلما توغلت غرباً في تلك الأرض المنبسطة تختفي خلفك رويداً رويداً تلك الصحراء التي رويت بدماء مايقارب الأربعين شهيد من أبناء طور الباحة وهم يتصدون لقطعان البغي والدمار مليشيات الحوثي ، لتقف أمامك سلسلة جبال الخرف والجليدة وجبل إرف ورشاش غرباً وجبال الفرشة والغول وتقار شرقاً وشعب والبيضاء شمالا لتشكل حائطاً جبلياً هائلا بين لحج وتعز تاركةً ممرات ضيقة في بطون الأودية حفرتها مياه السيول الموسمية المنحدرة من جبال حيفان تصل بينهما ، ويعتبر وادي معادن شمال طور الباحة أهم الممرات الإستراتيجية التاريخية التي تربط بين محافظات الجنوب وتعز والذي يتصل بنقيل حيفان الجبلي وصولاً إلى مدينة الراهدة ، ويأتي في المرتبة الثانية وادي معبق إلى الغرب الذي يتصل بنقيل هيجة العبد التي تؤدي إلى مدينة التربة الواقعة على سفوح جبلية ترتفع قرابة 2000 متر فوق سطح البحر ، ومن الشرق طريق شعب المغنية القبيطة تعز .
وتقع المديرية إلى الغرب من الحوطة عاصمة المحافظة وهي في موقعها هذا تشكل موقعاً جغرافياً وسطاً حيث يحدها من الشرق مديرية تبن بحدود صحراوية تمتد من الوهط (جنوب شرق ) المديرية إلى أن تلتقي بسلسلة جبال المشاريج ما وراء قاعدة العند ( شمال شرق ) ومن الغرب مديرية المضاربة ومن الجنوب العاصمة عدن ومن الشمال محافظة تعز بحدود جبلية طويلة تبدأ من القبيطة شمال شرق وصولاً إلى المقاطرة شمال غرب المديرية .
وتعتبر طور الباحة بمساحتها ثاني اكبر المديريات بعد مديرية المضاربة ، حيث تبلغ مساحتها 1883 (كم²) ، وتقع فلكياً عند تقاطع دائرة العرض 13 وخط الطول 44.5833 ، فاكسبها ذلك موقعاً مميزاً وتنوع مناخي فريد .
يفوق عدد السكان حسب الإسقاطات السكانية لتعداد 2004م 77420 نسمة ، ينتشرون بكثافة في سفوح المنحدرات والجبال في الجزء الشمالي منها ، وغالباً ما فان بيوت المواطنين من الأحجار والطوب الأسمنتي المصنوع بقوالب يدوية كجزء من التراث الوطني الجنوبي ، وتبين المنازل بساطة المواطن وظروفه المعيشية الصعبة .
تشكل طور الباحة وبقية مناطق الصبيحة خطاً دفاعياً أول للدفاع عن العاصمة المؤقتة عدن ، حيث تبدأ طور الباحة حدودها مع محافظة تعز اليمنية من حدود قاعدة العند شرقاً إلى منطقة العطيرة غرباً بسلسلة جبلية تشكل طوقاً امنياً يمتد لمئات الكيلو مترات لتلتحم مع المضاربة مستكملة للطوق الجبلي الرهيب المنتهي عند مضيق باب المندب في أقصى الغرب .
وهذه السلسلة الجبلية كلها تشهد أعمال عسكرية وقتال مستمر منذ بداية العام 2015م حتى اللحظة ، ففي حدود طور الباحة الشمالية تتمركز المليشيات وجيش المخلوع في كل من القبيطة وحيفان محاولة التقدم للوصول إلى مركز المديرية الذي يبعد عن هذه المواقع بضعة كيلومترات فقط ولكنها تجد مقاومة شرسة من قبل المقاومة الجنوبية في طور الباحة لتمنعها من التقدم رغم خسارتها المستمرة لبعض المواقع الإستراتيجية والتي كان آخرها جبال منطقة ضبي القريبة جداً من حدود المديرية إلى حد كبير ، ويرجع ذلك لسوء القيادة وضعف التنسيق وظهور المصالح المتضاربة التي جعلت المقاومة معزولة عن محيطها الاجتماعي الحاضن .
ونتيجة للحرب الدائرة هناك شهدت المناطق الجنوبية من تعز وخاصة بعض قرى حيفان حالة نزوح كبيرة لتتموضع في مركز المديرية حيث تنتشر الخيام وبيوت القش في ظروف غاية في التعقيد كما أن جزء كبير من الأسر النازحة استقرت في بعض مساكن المواطنين .
وبالحديث عن الوضع الإنساني في المديرية فان الحرب وطول أمدها سبب الكثير من الانهيارات الاقتصادية وظهور البطالة والمتسولين ، وأصبح وضع المواطنين يقترب من حدوث الكارثة الإنسانية في ضل غياب فرص العمل وتأخر الرواتب لعدة أشهر وانهيار العملة واختفاء المشتقات النفطية التي سببت في انهيار الورش وتوقف وسائل النقل وتوقف ماكنات ضخ المياه في المزارع ، كما أن اغلب السكان يعتمدون على الرواتب والأعمال بالأجر اليومي والزراعة ورعي الأغنام.
وظهور العصابات المنظمة وقطاع الطرق .. وغياب الأمن والمؤسسات الحكومية ماشكل وضعاً إنسانيا معقداً مازال يحافظ على تماسكه إلى حين إذا لم يحدث تحرك عاجل لتحريك عجلة التنمية وإعادة تفعيل المؤسسات الحكومية والأمنية بصورة عاجلة .