العلاقة بين حمل السلاح دون مبرر وعقدة النقص لدى البعض
الجمعة 25 ديسمبر 2020 08:47 مساءً
محمد مرشد عقابي
تفشت في الآونة الأخيرة ظاهرة حمل السلاح في الأسواق والأماكن العامة وغيرها من المواقع التي يرتادها ويتجمع فيها الناس، ومن هنا يجب علينا ان نذكر الجميع بان سلاح الإنسان الحقيقي في هذه الحياة هو "الإيمان بالله تعالى" ومن ثم العقل والحكمة التي وهبها الله واختص بها الإنسان دون سواه من الخلائق، فالإيمان بالله تعالى يمنح الإنسان القوة والإرادة والعزيمة التي تجعله لا يخاف أحداً من المخلوقات، لأن الإيمان بالله تعالى يصنع لدى الإنسان ثقة كبيرة جداً بأنه في حماية خالقه، ولا يمكن لشيء أن يصيبه إلا بإذن الله رب السموات والأرض مصداقاً لقوله تعالى : "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون".
أما السلاح الآخر فهو "العقل والحكمة"، فهذا الجهاز المعجز الذي منحه الله سبحانه وتعالى للإنسان لكي يكون له سنداً وعوناً في مواجهة تحديات الحياة وكيفية التعامل معها، فالعقل الذي يمنح الإنسان القدرة على التمييز بين الخير والشر وبين الحلال والحرام وبين الحق والباطل، فإذا استخدم الإنسان تلك القدرات العقلية استخداماً إيجابياً فإنه سوف يسلك طريق الخير والحق والعدل والصواب والرشاد وإذا سلك الإنسان طريق الخير والحق والعدل فإنه لن يعتدي على حقوق الآخرين ولن يعتدي على أموالهم، وسوف يقتنع بما أعطاه الله وبالتالي فلن يكون له أعداء ولن يكون في حاجة إلى السلاح الآلي والحديد.
وهذا هو الإنسان السوي الصحيح والسليم عقلياً ونفسياً استناداً لقول الله تعالى : "ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولوا الألباب" صدق الله العظيم، ونتيجة لإستخدام بعض الناس لقدراتهم العقلية إستخداماً سلبياً ما يجعلهم يسلكون طريق الشر والظلم والباطل والذي يدفع بهم للاعتداء على حقوق وأملاك الآخرين وهذا الطريق هو الذي يصنع العداوة والشحناء والبغضاء والكراهية بين البشر ويذهب بهم نحو العنف والقتل والإرهاب والجريمة، ويجعلهم يلجأون لإستخدام القوة بدلاً من العقل، ويتخاطبون بلغة آلة السلاح الحديدي بدلاً من الحكمة والمنطق والعقل والعنف بدلاً من الحوار، بذلك فإن تلك الممارسات السلبية تدفع بأصحابها لإستخدام السلاح كضرورة حتمية لتنفيذ أعمالهم العدوانية ضد حقوق الآخرين وكوسيلة للنهب والبطش والتكسب الغير مشروع، وحيث أن لكل فعل رد فعل فإن الطرف الآخر المعتدى عليه لن يكون أمامه من خيار سوى أستخدام السلاح للدفاع عن النفس.
مما سلف يتضح لنا جلياً بأن الدافع الأول لحمل السلاح الناري هو ضعف الإيمان بالله تعالى، وضعف الإيمان يفقد الإنسان الثقة بربه، وعندما يفقد الإنسان الثقة بالله فانه يعيش في حالة من الفراغ النفسي والصراع الروحي وهو ما ينعكس سلباً عليه من خلال تصرفاته وأفعاله ويجعله يخاف من كل شيء ويشك في كل من حوله ويظن بل ويتوهم بانه ومن خلال وسيلة حمل السلاح يستطيع ان يدرئ الخطر عن ذاته ويحمي نفسه ويدفع الشر والتوجس الذي يحوم في هاجسه وخواطره، وان يزرع الرعب والخوف في نفوس من يصنفهم اعدائه، بينما الدافع الآخر فهو الإستخدام السلبي للقدرات العقلية عن طريق تسخير امكانيات العقل في مسلك الشر والفساد، والدافع الثالث هو نتاج خلل نفسي، فالنفس السوية المتزنة لا يمكن أن تلجأ لحمل واستخدام السلاح الآلي إلا عند الضرورة القصوى، بعكس تلك النفس غير السوية التي تعاني من الإعوجاج والإعتلال والإختلال والإضطرابات والعقد المزمنة، فهي تشعر دوماً بأن حمل السلاح هو الشيء الوحيد الذي يمنحها الحصانة والمكانة والقوة، ويعوضها عن حالة النقص والهوان الذي تشعر به.
من المؤسف حقاً ان نرى البعض يعاني من عقدة نقص مركبة تجعله لا يكتفي بحمل السلاح الشخصي، بل تدفعه الوساوس والهلوسة وحب المظاهر البراقة إلى عمل عدد من المرافقين المدججين بالسلاح لغرض حمايته وإستعراض القوة وزرع الرعب والذعر في نفوس الآخرين بهدف ابتزازهم وترهيبهم، وهذا الحال لا ينطبق على الشخصيات الإجتماعية والسياسية التي تتطلب الحماية والحراسة والمرافقين بالقدر المعقول، وفي حقيقة الأمر لو سلكت تلك الشخصيات طريق الخير والرحمة والعدل والحق لن تكون في حاجة لأي حراسة أو حماية، لكن سلوك البعض منهم لأساليب النهب والظلم والباطل والسطو على حقوق الآخرين يجعلهم في أمس الحاجة للحماية والحراسة تحسباً لأي ردة فعل يقدم عليها من وقعت عليه تلك المظالم، لذا نؤكد بان كل من يحمل السلاح بدافع الظهور أمام الناس او لتخويف الناس وإرهابهم فهو يعاني من مرض نفسي خطير يسمى عقدة النقص والإنفصام والجهل، طبعاً بإستثناء الجنود الذين يعتبر حمل السلاح بالنسبة لهم جزء من عملهم وواجبهم، ناهيك عن الأشخاص الذين يحملونه مكرهين وإنما للضرورة نتيجة قضايا الثأر أو لحماية أموالهم وممتلكاتهم وكذلك الحال بالنسبة للشخصيات السياسية والعسكرية على أن يكون ذلك في حدود الحماية الجسدية وبالشكل المعقول وليس الحماية المبالغ فيها كما هو حاصل في وقتنا الراهن الذي نجد فيه انتشار واسع لمظاهر التفاخر والتباهي بهذه العادة الدخيلة والسيئة.
لذا ننصح الجميع بان يدركوا ان حمل السلاح من غير ضرورة ليس دليل شجاعة او بطولة او رجولة كما يظن البعض، ولكنه في حقيقة الأمر دليل على ضعف الإيمان بالله تعالى، ودليل على الإستخدام السلبي للقدرات العقلية ودليل على وجود خلل وعقدة نفسية لدى حامل ذلك السلاح.